ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ

ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) سورة السجدة
ذكرت كلمة السمع و مشتقاتها و تصاريفها في القرآن الكريم 185 مرة. بينما و ردت فيه كلمة البصر و مشتقاتها و تصاريفها 148 مرة فقط. حيثما وردت كلمة السمع في القرآن الكريم عنت دائما سماع الكلام و الأصوات و إدراك ما تنقله من معلومات. بينما لم تعن كلمة البصر رؤية الضوء و الأجسام و الصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط، فيما عدا ذلك فإنها تدل علي التبصر العقلي و الفكري بظواهر الكون و الحياة و ما يسمعه المرء من آيات الله.

الملاحظ أن في جميع الآيات المذكورة، أن كلمة "السمع" قد سبقت كلمة "البصر" بلا استثناء، فهل لهذا السبق من دلالة خاصة؟ 
1- الحقائق العلمية الحديثة في علوم الأجنة و التشريح و الفيسيولوجي و طب التطور الجنيني للأذن و العين يتطور جهاز السمع عند الجنين قبل جهاز البصر و ينضج حتى يصل حجمه في الشهر الخامس من حياةالجنين إلي الحجم الطبيعي له عند البالغين . .
و يتكامل نمو الأذن في الأسبوع 23 من الحمل, فتنضج الأذن الداخلية و تصبح قادرة على السمع في الشهر الخامس، أما العين فلا يتم تكامل طبقتها الشبكية الحساسة للضوء إلا بعد الأسبوع 25 و يبقي جفنا عيني الجنين مغلقتين حتى الأسبوع26 من الحياة الجنينية . و لا يكون العصب البصري مكتملا لنقل الإشارات العصبية البصرية بكفاءة إلا بعد عشرة أسابيع من ولادة الجنين.

2- السمع و البصر: ثبت علميا أن الجنين في شهره الخامس يسمع أصوات حركات أمعاء و قلب أمه، و تتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية و العصب السمعي يمكن تسجيلها بآلات التسجيل المختبرية، و هذا برهان علمي يثبت سماع الجنين للأصوات في هذه المرحلة المبكرة من عمره.
لم تسجل مثل هذه الإشارات العصبية في الجهاز البصري للجنين لأنه لا يبصر الضوء إلا بعد ولادته.

3- اكتمال حاستي السمع و البصر: يمكن للجنين أن يسمع الأصوات بالطريقة الطبيعية بعد بضعة أيام من ولادته بعد أن تمتص كل السوائل و فضلات الأنسجة المتبقية في أذنه الوسطي، ثم يصبح السمع حادا بعد أيام قلائل من ولادة الطفل. 
أما حاسة البصر فهي ضعيفة جدا عند الولادة إذ تكاد تكون معدومة، و يصعب علي الوليد تمييز الضوء من الظلام و تتحرك عيناه دون أن يتمكن من تركيز بصره و تثبيته علي الجسم المنظور، ولكنه يبدأ في الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمه أو قنينته الطبية و تتبع حركاتها، و يتعرف علي وجوه الأشخاص في الشهر السادس. 
. 4تطور المناطق السمعية و البصرية المخية: ثبت أن المنطقة السمعية المخية تتطور و تتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية، و قد أمكن تسجيل إشارات عصبية سمعية من هذه المنطقة السمعية عند تنبيه الجنين بمنبه صوتي في بداية الشهر الخامس، علي حين لا تنبه المنطقة البصرية للمخ في هذه الفترة بأية منبهات.

لهذه الأسباب يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية, و يتعلمها و يحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية. 
فهو يفهم الكلام الذي يسمعه و يدركه و يعيه أكثر من فهمه للرسوم و الصور و الكتابات التي يراها، ويتعلم النطق في وقت مبكر جدا بالنسبة لتعلمه القراءة و الكتابة.
. 5 انواع أخري تميز حس السمع علي البصر: يفقد المرء حس البصر قبل فقدانه حس السمع عند بدء النوم أو التخدير أو عند الاحتضار أو عند هبوط ضغط الأكسجين في الهواء. 
ومن أنواع التميز أيضا، أن المساحة السمعية تزيد علي المساحة البصرية بدرجة كبيرة، فيتمكن الإنسان من سماع الأصوات التي تصل إلي أذنيه من كل الاتجاهات و الارتفاعات.

ملامح الإعجاز في آيات السمع و البصر في القرآن الكريم: ورد في القرآن الكريم عديد من الآيات التي تشير إلي نعمتي السمع و البصر، و تقدم فيها ذكر السمع علي البصر في كل الحالات تقريبا، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سبب هذا التقديم،
و الشيء الذي يميز السمع علي البصر في النشأة. من هذه الآيات قوله تعالي: "و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون" (النحل: 78) ، و قوله تعالي "و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" (السجدة9) 
ان تقدم السمع علي البصر في النشأة و السبق في الأداء الوظيفي، و هو ما أثبته بالفعل العلم الحديث كما رأينا فيما سبق عرضه من اكتشافات علمية تتعلق بنشأة الجهاز السمعي عند الجنين قبل البصري، إلي جانب أداء وظائفه قبل الولادة علي حين يتأخر هذا الأداء في البصر إلي ما بعد الولادة بفترة قد تصل إلي عدة أسابيع حين يبدأ الطفل في تمييز بعض الأشكال من حوله.

هذه الحقائق العلمية لم تكن معروفة قبل أربعة عشر قرنا، و لم يعرف الكثير منها إلا في العقود الأخيرة من هذا القرن حتى إن من العلماء من كانوا يرون أن حس البصر أهم من حس السمع، 
و لكن الدراسات العلمية الحديثة كشفت عن الكثير من الحقائق الناصعة التي تبين الإعجاز العلمي في الآيات البينات التي قدمت السمع علي البصر لأسبقيته في الخلق و التطور العضوي و الوظيفي