و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة لعلّكم تشكرون

" و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة لعلّكم تشكرون" النحل ( 78 ). 
و في آية أخرى:
"قل هو الذي أنشأكم و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" 
الملك ( 23 ). 
خلق حاستَي السمع والبصر

من نعم الله - تعالى - على خلقه الحواس التى وهبها للإنسان ، وفى مقدمتها نعم السمع والبصر والأفئدة ،و التى يمنُّ علينا ربنا - تبارك وتعالى - بإنشائها فى العديد من آيات القرآن الكريم، وقد جاءت بهذا الترتيب فى سبعة مواضع من القرآن الكريم ( الاسراء : 37 ، النحل : 78 ، المؤمنون : 78 ، السجدة : 9 ،الأحقاف : 26 مكررة ، الملك : 23 ) .
كذلك جاء ذكر كلمة ( السمع ) بمشتقاتها وتصاريفها فى القرآن الكريم ( 185 ) مرة ، بينما جاء ذكر كلمة ( البصر ) بمشتقاتها وتصاريفها ( 148 ) مرة ، وجاء ذكر لفظة الفؤاد بمشتقاتها وتصاريفها ( 16 ) مرة ، وترافقت كلمتا ( السميع ) و ( البصير ) فى ( 38 ) آية كريمة ، كذلك تلازمت كلمتا (العُمْي ) و (الصُّم ) فى ثمانى آيات .
وفى كل هذه الحالات جاء ذكر ( السمع ) قبل ( البصر ) ، كما جاء ذكرهما قبل الفؤاد، وذلك فيما عدا عدد قليل من آيات العذاب أو الإنذار به، أو آيات وصف الكفار والمشركين دون إشارة إلى خلق هاتين الحاستين، أو وصف لوظيفة كلٍ منهما، فتقدم فيها ذكر 
( البصر )على ذكر السمع
ولتعليل ذلك قال عدد من المتخصصين ، منهم الأستاذ الدكتور صادق الهلالى ، ود. حسين اللبيدى ، د. عدنان الشريف ، د. محمد على البار ، د. عبدالسلام المحسيرى وغيرهم . مايلى : إنه على الرغم من أن تكوُّن حاستي السمع والبصر متزامن تقريباً فى المراحل الجنينية الأولى، إلا أن الأذن الداخلية للجنين تصبح قادرة على السمع فى شهره الخامس تقريباً ، بينما العين لا تفتح ، ولا تتكون طبقتها الحساسة للضوء إلا فى الشهر السابع من عمره ، وحتى فى هذا الوقت لا يستطيع الجنين أن يرى لعدم اكتمال تكوُّن العصب البصرى ، ولكونه غارقاً فى ظلمات ثلاث .
الأصوات بعد بضعة أيام من ولادته ، وذلك بعد امتصاص كل السوائل وفضلات الأنسجة المتبقية فى أذنه الوسطى، والمحيطة بعظيماتها . أما حاسة البصر (فتستمر) فى النمو عند الوليد حتى سن العاشرة . 
إن المنطقة السمعية فى المخ تتكامل عضوياً قبل المنطقة البصرية فى مراحل الحميل وحتى الولادة ، ولذلك يكتسب الطفل المعارف الصوتية قبل المعارف المرئية .
إنه من الثابت علمياً أن الإنسان يفقد حاسة البصر قبل فقدانه حاسة السمع عند بدء النوم أو التخدير أو الاختناق ، أو عند التسارع الشديد أو عند الاحتضار . 
اتساع الساحة السمعية إلى 360 ، واقتصار الساحة البصرية على 180 فى المستوى الأفقي ، و 145 فى الاتجاه العمودى ، وكذلك فإن الموجات الصوتية تسير فى جميع الاتجاهات ، ويمكنها الالتفاف حول الزوايا، والانتقال عبر السوائل والأجسام الصلبة، بينما أشعة الضوء تسير فى خطوط مستقيمة أو متعرجة ، ولكنها لاتستطيع اختراق الجوامد ، وتتحلل إلى أطيافها فى السوائل، وتُمتص طيفاً بعد الآخر .
إن مراكز السمع لكل أذن موجودة فى جهتي المخ ، فإذا أصيب الإنسان فى أحد نصفي الدماغ، فلن يفقد المصاب السمع فى أيٍ من أذنيه ، وعلى العكس من ذلك، فإن كل نصف من نصفي العين الواحدة تقع مراكزه على جهة المخ المعاكسة لها ، فإذا ما أصيب الدماغ فى أحد نصفيه ضعف البصر فى (نصفي عينيه المعاكسين) لجهة الإصابة . (العين الموجودة في النصف المعاكس ).
إن المولود الذى يولد فاقداً حاسة السمع لابد له من أن يصبح أبكم بالإضافة إلى صممه ، أما الذى يولد فاقداً لحس البصر فإن ذلك لا يعوقه عن تعلم النطق ، ومن هنا كان تلازم الوصف (صم ، بكم ) فى أكثر من آية قرآنية (البقرة18.171 (

إن المولود الفاقد لحاسة البصر يتميز عادة بذاكرة واعية؛ وذلك لأن مراكز الإبصار فى المخ ترتبط وظيفياً مع المناطق الارتباطية الأخرى، فتزيد من قابلية الدماغ على الحفظ والتحليل والاستنتاج والتذكر ، ولأسباب غير معروفة لا تقوم مراكز السمع فى المخ بعمل ذلك ، ولذلك نبغ كثيرون ممن فقدوا حاسة البصر، ولم ينبغ أحد ممن فقدوا حاسة السمع إلا نادراً ، مما يدل على أهمية حاسة السمع ، وأهمية مراكزها فى المخ .
إن الأحاسيس الصوتية تصل مستوى الوعى عند الإنسان ( بأفضل ما تصله ) (أفضل مما تصله) عن طريق حاسة أخرى كالبصر ؛ وذلك لأن الذاكرة السمعية فى الإنسان أرسخ من الذاكرة البصرية ، وتعطي من المدلولات والمفاهيم ما لا تعطيه الذاكرة البصرية ورموزها .
الآيات القرآنية دوماً ترتِّب العين قبل الأذن ؛ وذلك للسبق المكاني لكلٍ من العينين للأذنين فى موضعهما من وجه الإنسان، بينما تقدم الآيات ذكر حس السمع على حس البصر ؛ وذلك لتقدم مركز السمع فى فصين جانبيين من المخ ، بينما يوجد مركز البصر خلف المخ ؛ وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي ومراكز الحس فى المخ (؛ وذلك لأن وظيفة أعضاء التلقي) (مكررة) - كالعين والأذن - هى نقل المؤثرات الحسية إلى مراكزها فى المخ حيث تدرك . 
يستخدم القرآن الكريم حاستي السمع والبصر، بمعنى ما يحملانه إلى العقل ، وما يترتب عليه من الفهم ، وتقليب الفكر حتى يصل إلى إدراك ما لا يمكن إدراكه إلا بذلك ، ومن هنا كانت الإشارة من بعد السمع والبصر إلى الفؤاد، وهو رابط القلب بالعقل ، مما يعين على التفهم والتروي والوصول إلى شيء من الحكمة إذا أحسن الاستخدام، أو إلى الخلط والارتباك وسوء الاستنتاج إن لم يحسن المرء استخدام ما وهبه الله - تعالى - من حواس . فسواء كان للإنسان إذن تسمع ، وعين ترى، أو لم يكن له، فإنه قد يكون سميعاً مبصراً متى كان له فؤاد يتفأت به أموره، وينظر فيها بشيء من التروي والترتيب وحسن الحكم ، أما إذا فسد قلبه، أو تلف عقله، فإنه يخرج عن شروط الإنسان المكلَّف، فيسقط عنه التكليف ولو كانت له أذن تتلقى المؤثرات الصوتية ، وعين تنظر إلى الأشياء ، ولذلك جاءت كلمة الفؤاد فى القرآن الكريم دوماً بعد السمع والبصر، بينما تأتى الإشارة إلى القلب بغير ترتيب ثابت .
وتعبير ( الفؤاد ) يشير إلى عدد من المعاني التي تدور حول العواطف والغرائز والأحاسيس ، بينما تعبير ( القلب ) يشير إلى معاني العقل والتفقه وتقليب الفكر . 
إن الرؤى المنامية يسمع فيها النائم الأصوات ، ويرى المشاهد بغير وسائط الأذنين والعينين ، مما يشير إلى قوى إدراكية أخرى غير أعضاء ومراكز الحس المعروفة .
هذه النقاط تبين بوضوح دقة القرآن الكريم فى التمييز بين أعضاء التلقي ـ كالأذن والعين ـ ومراكز الإحساس فى العقل والقلب ، كما تبين الحكمة من تقديم العين على الأذن ، وتقديم السمع على البصر؛ وذلك لتقدم العين فى موقعها المكاني من وجه الإنسان ، وتقدم مراكز السمع على مراكز البصر فى موقعها المكاني من المخ ، (وتقدم مراكز السمع على مراكز البصر فى موقعها المكاني من المخ) (مكررة (
هذا بالإضافة إلى مزايا حس السمع على حس البصر ، ولأسبقيته فى التطور العضوى والأداء الوظيفى 
وهذه حقائق لم تصل إليها العلوم المكتسبة إلا فى العقود المتأخرة من القرن العشرين ، وورودها بهذه الدقة وهذا التفصيل مما يثبت لكل ذى بصيرة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية ، بل هو كلام الله الخالق الذى أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله ، وحفظه بعهده الذى قطعه على ذاته العلية – ولم يقطعه لرسالة سابقة أبداً – وحفظه فى نفس لغة وحيه – اللغة العربية – على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية بكل ما فيه من إشراقات نورانية ، وعلوم ربانية ، وحقائق كونية ، حتى يشهد للرسول الخاتم الذى تلقاه بالنبوة وبالرسالة ، وتعهد ربنا – تبارك وتعالى – بحفظ القرآن الكريم تعهداً مطلقاً، حتى يبقى شاهداً على الخلق أجمعين إلى يوم الدين .

 

 

 

إنّ من نعم الله على عباده كثيرة و جمة، لا تعد و لا تحصى، و من نعمه الجليلة على الإنسان نعمتا السّمع و البصر اللتان نوّه اللّه بهما في كتابه العظيم، و امتن بهما على عباده في الكثير من آياته. مثل قوله سبحانه و تعالى:
" و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة لعلّكم تشكرون" – النحل ( 78 )-. و في آية أخرى:
"قل هو الذي أنشأكم و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" –الملك ( 23 )-. 
فبوجود هاتين النعمتين يكون الإنسان مدركا عاقلا، مميزا بين الخير و الشر، و الحق و الباطل، متفهما مستنبطا لمعاني القرآن الكريم، متبصرا مدبرا لشؤونه و عبادة ربه. لكن الدارس لكتاب الله و معانيه و الباحث في أموره و أسرار حكمه، لربما يشده الإنتباه أثناء تلاوته لآياته، في الكثير من سوره أنّ الله جل و علا كثيرا ما يقدم السّمع على البصر في مقابل تقديم العين على الأذن، بالرغم من أنّ الوظيفة الأولى تكون من خلال الأذن و الثانية من خلال العين، لكن في غالب القرآن الكريم لا نجد هذا التسلسل من خلال تتابع الحاسة مع العضو.
فما الإعجاز العلمي في آيات القرآن الكريم حول تقديم السّمع على البصر، و العين على الأذن؟.
نلمس من خلال قراءتنا لآيات الذكر الحكيم بخصوص موضوع بحثنا، أنّ كلمة السّمع و مشتقاتها و تصاريفها، قد ذكرت 158 مرة، بينما وردت كلمة البصر و مشتقاتها و تصاريفها 148 مرة فقط ( 1 ) .
و قد ترافقتا كلمتا السّمع و البصر في 38 آية كريمة. كما في قوله تعالى:
" ثم سوّاه و نفخ فيه من روحه و جعل لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" – السجدة ( 9 )-. 
" أمّن يملك السّمع و الأبصار و من يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و من يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون" – يونس ( 31 )-. 
"ما كانوا يستطيعون السّمع و ما كانوا يبصرون" – هود ( 20 )-.
"و هو الذي أنشأ لكم السّمع و الأبصار و الأفئدة قليلا ما تشكرون" – المؤمنون ( 78 ).
لكن من خلال هاته الآيات التي يقدم الله في كلامه السّمع على البصر، يقتضي تقديم الأذن على العين، و لكن كان العكس و تمّ تقديم العين على الأذن. ففي هاته الآيـات نرى أنّها تشير إلى خلق و نشأة و تكوين الإنسان، و في جميعهـا و دون استثناء، تقدم ذكر السّمع على البصر، فما الحكمة الرّبانية و المغزى الإلهي من وراء ذلك؟. 
و نرى في آيـات أخرى أنّ الله كان يسبّق العين على الأذن، و نستدل علـى ذلك من خلال قـوله سبحانه و تعالى: " و كتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن" – المائدة ( 45 )-.
" و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها" – الأعراف ( 179 )-.
" ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها" – الأعراف ( 195 )-.
نستنبط من خلال ما تقدم، أنّ الآيات المتضمنة للسّمع و البصر و تقديم الأولى عن الأخرى، إنّما ذكر فيها معنى الإدراك و التفهم و التدبر، و كل ما يتعلق بالتأويلات و التفسيرات العقلية، و الآيات التي تضم العين و الأذن إنّما لاعتبارهما أداتان لنقل المؤثرات السّمعية أو البصرية إلى حيث يتم إدراكها في مراكز الإدراك الخاصة.
فمن العلماء من أرجع تقديم السّمع على البصر في آيات القرآن الكريم، إلى الجانب الزمني من حيث خلق و نشأة الإنسان و تطوره. حيث أنّ حاسة البصر التي يتأخر اكتمالها و نضجها إلى ما بعد الولادة، و كان وجه الإعجاز العلمي لدى هؤلاء هو ذلك التطابق الذي أشارت إليه آيات القرآن الكريم بتقديم ذكر السّمع على البصر بما توصل إليه العلم الحديث، و دليلهم فيما أورده الله في قوله: " إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراّ– الإنسان ( 2 )-.
و حتى الأحاديث النبوية لها تضافر مع آيات القرآن الكريم في تقديم السّمع، حيث يقول صلى الله عليه و سلم:
"إذا مرّ بالنطفة ثنتان و أربعـون ليلة بعث الله إليها ملكـا فصوّرهـا و خلق سمعهـا و بصرهـا و جلدها و لحمها و عظامها"( 2 ).
و الكثير من العلماء إنّما يرجعون تقديم العين على الأذن في مقابل تقديم السّمع على البصر إلى التكوين الفيزيـولـوجي أو الترتيب الخلقي، و هم يستعرضون الإعجاز العلمي بحقائق علمية يقينية بإيعاز من الخالق عز و جل. فما العين و الأذن إلاّ أداتان يتم من خلالهما استقبال موجات الضوء و الصوت لترسلها عبر الأعصاب إلى مراكز السّمع و البصر داخل المخ البشري، حيث وجد العلماء أنّ مركز السّمع يقع في الفص الصدغي للمخ، بينما يقع مركز الإبصار في الفص المؤخر للمخ، أي أنّ مراكز السّمع تتقدم على مراكز الإبصار. بعكس الأعضاء التي تتقدم العين عن الأذن في الهيئة الترتيبية المصورة التي اختارها الله للإنسان.
و من ذلك نلمس تحقق الإعجاز بكل المقاييس، فالآيات فصلت بين الأعضاء (العين و الأذن) و بين القوى المدركة (السّمع و البصر) و مدى تطابقها مع صنعة الله، فالترتيب الوارد في آيات القرآن الكريم على حسب الترتيب الفيزيولوجي الذي خلقه المصور البارئ.
و سبحان الله عدد خلقه، و زنة عرشه، و مداد كلماته

 

المبحث السادس

شق السمع والبصر، وتقديم السمع على البصر ( 2ـ 2 )

الاستدلال :
استدل بهذا الحديث الدكتور/ محمد علي البار، في كتابه (خلق الإنسان...)( 1 ) على أنه نطق بما يحدث فعلاً في تكوين السمع والبصر .
أنه معجز من جهة ترتيبه السمع قبل البصر .
قال الدكتور/ البار: "تصل قناة السمع الخارجية (EXTERNAL AUDITORY MEATUS) ما بين صوان الأذن، وطبلة الأذن، وتتكون من بطانة الشق البلعومي الأول (FIRST PHARYGEAL CLEFT) الذي يمتد على هيئة قِمْعٍ حتى يصل إلى غشاء الطبلة .
وفي البداية تكون هذه القناة مقفلة ومصمتة، نتيجة امتلائها بالخلايا، مكونة ما يعرف باسم سدادة الصماخ (MEATAL PLUG)، ثم تمتص هذه السدادة وتزاح في الشهر السابع ".
ثم ذكر الحديث، وقال: ((سيأتي عندما نتحدث عن العين، كيف تقفل الجفون ويلتصق الجفنان، ثم في الشهر السابع تشق، وتفتح.
وكل ذلك يؤكد معنى شق سمعه وبصره، الذي وصفه حديث المصطفى (( وهو يناجي ربه في سجوده)) 
وقال – عند كلامه عن تكوين البصر، وبالذات عن العدسة البصرية، بعد أن تصبح شفافة –: ((ويغطي العدسة محفظة من الطبقة المتوسطة (الميزودرم)، وتسمى عندئذ (المحفظة العدسية الوعائية)؛ لأنه تتخللها الأوعية الدموية التي تضمر في الشهر السابع، وتشق هذه المحفظة في وسطها، مكونة فتحة وفرجة، تعرف باسم (حدقة العين) أو (البؤبؤ)) 
وقال عن الجفون: "ويكتمل نمو الجفون في الشهر الثالث، ويلتصق الجفنان منذ ذلك الوقت، إذ لا حاجة للجنين بالرؤية في ذلك الظلام الدامس، ولحماية العين مما يحيط بها من السائل الأمنيوسي (الرهل).
وفي الشهر السابع تنفتق الجفون مرة أخرى، استعداداً لخروج الجنين إلى الدنيا، ومرة أخرى نقول مع المصطفى صلوات الله عليه في سجوده: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره)) وذكر في كتابه(الوجيز في علم الأجنة القرآني) خلاصة ما شرحه في كتابه (خلق الإنسان...) عن موضوع السمع والبصر، ثم قال: (( ويكتمل نمو السمع منذ الشهر الرابع في الجنين، ومنذ ذلك الوقت المبكر، يسمع الجنين الأصوات الخارجية، وقرقرة أمعاء أمه، أما البصر فيتأخر في النمو، وعندما يولد الطفل، يستطيع أن يبصر الأشياء، ولكن إدراكه للمبصرات ضعيف وضئيل، أما إدراكه للسمعيات، فجيد منذ الولادة، بل وقبل الولادة، وذلك مما يفسر تقديم السمع على البصر في القرآن الكريم )) .
هكذا قال، مع أن السمع مقدم على البصر أيضاً في الحديث الذي استدل به.
ومن هذه الوجهة استدل به الدكتور نجاتي، فذكر حديث عائشة، ثم قال: (( فَذِكْرُ الرسول شق السمع قبل شق البصر، إنما يتفق مع معطيات علم الأجنة، التي تبين أن تكوين السمع في الجنين يسبق تكوين البصر )). 
التعليق :
هذا الحديث فيه إعجاز علمي واضح، على ما قاله الأطباء من كيفية خلق السمع والبصر وترتيبهما ، خاصة وأن النبي قد عبر بلفظ: ((شق)) دون غيره من الألفاظ، وهو يدل على انصداع في الشيء 
وعندي سؤال أوجهه إلى الأطباء، ولكن بعد أن أُعَرِّفَ السمع والبصر، فأقول: السمع – بفتح السين وإسكان الميم – يطلق على الأذن ويطلق على حِسِّ الأذن( 9 )، أو ما يسمى عند الأطباء بـ (مركز السمع) 
والبصر – بفتح الباء والصاد – كذلك يطلق على العين، ويطلق على حِسِّ العين( 10 )، أو ما يسمى عند الأطباء بـ (مركز الإبصار) 
والسمع والبصر في هذا الحديث المراد به العين والأذن، بدليل إضافته إلى الوجه، والسؤال هو: هل مركز السمع والإبصار في المخ يُشق أيضاً كما في تكوين العين والأذن؟
وأما تقديم لفظة (السمع) على لفظة (البصر)، فهو الترتيب الموجود في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ولم أقف على حديث واحد من الأحاديث التي تجمع لفظتي (السمع) و(البصر) يخالف هذا الترتيب.